بتهمة “امتهان الدعارة” ، أعدمت جبهة النصرة اليوم امرأة أخرى في سوريا برصاصة في الرأس. و على أحد بوستات الفيسبوك التي تدين هذا الفعل، انبرى المدافعون عن الإسلام لدحض ارتباط هذه الجريمة النكراء به. أمر رأيناه سابقاً عندما قام داعش برجم أكثر من امرأة حتى الموت بتهمة الزنا.

إلا أن هذا الدرء عن الإسلام للأسف، لا يأت إلا دفاعاً عما يؤمن به البعض، بغض النظر عن أصالته. فمن ضمن العينات التي أنكرت الفعل الأخير لجبهة النصرة، كان التعليق أدناه:

حد

و هذا مجرد عينة واحدة تمثل شريحة واسعة ممن تناولوا الأمر.

فمن حيث فرّ منكرو جريمة داعش، لجأ منكرو جريمة النصرة و أصبحوا ينادون بالإعدام رجماً “عملاً بتعاليم الإسلام الرحيمة”. و الحقيقة أن أصحاب العقول المخبولة هؤلاء لا يسعون إلا لدرء ارتباطهم بهذه الأفعال بأية طريقة كانت، مهما جافت طريقتهم المنطق و حتى إن ادّعوا (أو شُبه لهم) أنهم يدرؤون عن الإسلام. هؤلاء لا يعلمون أي إسلام يتبعون بالأساس. كل ما يفعلونه هو الهروب من أقرب مخرج نجاة، حتى و إن أدى بهم إلى جحيم آخر.

بهائم على دين آبائهم

صنعت إسرائيل ليلة البارحة خبرين و نصف في أقل من 12 ساعة:
– الأول و الأكثر أهمية: قتل الشاب (سامي الزيادنة) في مدينة رهط بالنقب الفلسطيني خلال مهاجمة القوات الإسرائيلية لمشيّعي جنازة الشاب (سامي الجعار) الذي قتلته في وقت سابق الأسبوع الماضي.
– الثاني: انتهاك آخر لسيادة الأراضي السورية تمثل بغارة جوية جديدة على ريف القنيطرة في مرتفعات الجولان. انتهاك يُسأل عنه بالطبع النظام السوري المقاوم الذي أضاع تعداد الغارات الإسرائيلية على الأراضي التي يفترض به أن “يحكمها”.
– نصف الخبر الأخير (للإحصاء فقط): مقتل جهاد عماد مغنية و خمسة آخرين من حزب الله في الغارات الوارد ذكرها في الخبر الثاني. هذا مجرد تفصيل تافه عن مجرمين قُتِلوا بيد مجرمين آخرين.

بعيداً عن تفاصيل جريمة قتل صحفيي (شارلي ايبدو) في باريس و ما وازاها من احتجاز الرهائن في المتجر اليهودي و كل ما حدث بعدهما خلال مسيرة التضامن الباريسية التي تصدرها نتنياهو ضمن غيره من مدّعي الدفاع عن حرية التعبير:

– في معرة مصرين جبهة النصرة تعدم امرأة في عقدها الخامس أو ربما السادس بتهمة “الزنا”: نحو ثلاثين مقاتلاً مدججاً بالسلاح تركوا “الجبهات” و انصرفوا لإعدام امرأة كانت تتوسلهم رؤية أبنائها. لا تتوسلهم توسل الخائف المرتعد، بل توسل الجاهل غير المدرك لحتفه القريب الذي يُملَى على مسمعه. فلو سمعت رجاءَها وحدَهُ دون كليشيهات الإعدام المقيتة التي يرددها “المجاهدون” لحسبت أن ما يحول بينها و بين رؤية أبنائها هو حادث بسيط سيمر حيناً  و تعود بعده إلى فلذات كبدها. “بس بدي شوف ولادي، الله يوفقكون” تُردِدُها حتى إذا فرغ رئيس العصابة من تلاوة الآيات و هو يحسب أنه أزاح الله من عرشه لينطق باسمه و يوعِزَ بتنفيذ الإعدام، تَرفعُ المسكينةُ رأسها مجدداً لتعيد الطلب بكل سذاجة و كأنها لم تسمع بالقتل يوماً و لم تفهم له معنىً، فتلاقيها طلقة المسدس في أعلى رأسها لترميها أرضاً وسط التهليل و التكبير و الانتشاء بالانتصار لدين شيطانهم الذي يسمونه الله.

– في “المحرر” زهران علوش يصفي حساباته مع أبو علي خبية: ضاقت الأرض بـ “أخوة المنهج” فباتوا اليوم يتقاتلون فيما بينهم و ينشرون الوسِخَ من غسيل بعضهم البعض. فزهران علوش -الإصدار المحلي من أبو بكر البغدادي- قرر أنه لن يسمح بعد الآن للمفسدين بحمل السلاح و قيادة الكتائب، و كجزء من الخطة باشر “جيش الإسلام” بنشر مواد مصورة لقياديين في “جيش الأمة” يظهر فيها “فسادهم”. ففي أحد المقاطع يظهر الموسيقار خبية ضمن مجموعة من “المجاهدين” متظاهراً بالعزف على الأورغ و يسانده فرد آخر من العصابة بالعزف على البزق بينما الموسيقى التي يحرمونها تلعب في الخلفية. و في فيديو آخر يظهر الحاكم بأمر الله خبية و هو يأمر بإعدام شاب متذرعاً بأن “القضاء الشرعي لم يستطع البت بأمره”  و يتوعد كل “الكلاب” على امتداد سوريا بمصير مشابه

– في نيجيريا بوكو حرام تحرق مدناً، تحتجز رهائناً و تقتل بالجملة: أكثر من ألفين ضحية سقطت على يد بوكو حرام في الأيام الأخيرة، منهم 19 تم قتلهم في عملية انتحارية نفذت باستخدام فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، أغلب الظن أنها أُرسلت بين الجمع و تم تفجيرها عن بعد. 10 سنوات. هذا بالإضافة إلى أزمة الفتيات ال276 و اللاتي اختطفتهن بوكو حرام من مدرستهن في شيبوك. جدير بالذكر أن الفتيات “اعتنقن الإسلام بفضل الله”

– في باكستان، طالبان-باكستان تعدم طلاب مدرسة ثانوية داخل القاعات الدراسية: فانتقاماً من آباء أولئك الطلاب العاملين في الجيش، اقتحم مقاتلون من طالبان-باكستان المدرسة و تنقلوا من قاعة إلى قاعة قاتلين 141 من التلاميذ و المعلمين. هجوم عنيف دفع حتى طالبان في أفغانستان لإدانته، إلا أن الأخيرة نفذت هجوماً مماثلاً بعد يومين فقط على مصرف في أفغانستان.

– في أفغانستان اشتباكات بين طالبان و داعش: في مسعى تنظيم داعش لتجنيد المزيد من المقاتلين، في أفغانستان هذه المرة، سُجّلت اشتباكات ضارية بين عناصر من طالبان و آخرين من داعش. و هنا مخرج جديد لهواة الاصطفافات. فمن اختار يوماً أن يكون في صف أحد المتصارعين، داعش أو النظام السوري، لمجرد اختلافه مع أحد الطرفين، أصبح بإمكانه أن يضم الآن حركة طالبان لقائمة خياراته.

كل هذا و المسلمون يعلمون تماماً ما يترتب على العالم كله أن يفعل للتصدي للإرهاب، و يطلبون ذلك بكل جرأة. بعلمون أن هؤلاء لا يمثلون “الإسلام الحقيقي” (الذي نتحرج من تعريفه و إزالة شوائبه). و يعلمون أن سياسات الغرب الاستعماري في المائة عام الماضية و تواطأه مع الحكومات المستبدة في الشرق هي التي أرست دعائم هذا الفكر و هيأت له الأرضية مدعِّمةً كل من يريد أن يتجه في هذا الاتجاه بكافة أسباب الجهل و الفقر و القهر و الاستبداد. و يعلمون أيضاً أن الكثير من الحكومات الغربية الحالية تمد العديد من التنظيمات الإرهابية ، حتى في أيامنا هذه، بالسلاح و المال بشكل مباشر أو غير مباشر. كما يعلم المسلمون بأن الغرب “الكافر” الذي يدّعي دفاعه عن حرية التعبير المطلقة، يكيل بمكيالين عندما يتطرق التعبير لتناول بعض المحرمات كالسياسات الإسرائيلية بحجة معاداة السامية مثلاً. و لا شك يشاركهم في هذه الفطنة بعض الرفاق الـ(تشي غيفاريون) المستعدون لتقديم أمهاتهم سبايا لداعش في سبيل تسجيل نقطة على الغرب “الإمبريالي”.

يعلم المسلمون كل ذلك، إلا أنهم لا يعلمون -إلا من رحم ربي- ما يجب عليهم، هم، فعله. فبينما شريحة واسعة جداً لا تجد حرجاً البتة في عمليات شبيهة بعملية (شارلي ايبدو)، مع بالغ الأسف، ما زالت الغالبية الساحقة من المسلمين تتجاهل كل ما يحيط بالظاهرة الجهادية حول العالم مكتفية بعزل نفسها عن تلك الممارسات تحت شعارات شبيهة بـ “ليس باسمي not in my name” . على المسلمين أن يعوا واجبهم في التصدي لهذه الحركات بالسرعة القصوى و بما تمليه عليهم المسؤولية العظمى. لم يعد يكفي الاطمئنان إلى موقف الغالبية العظمى في أوروبا و أمريكا و أستراليا و السير مع تلك الغالبية بنفس السرعة. على المسلمين يضاعفوا الجهود و يتصدروا المشهد قبل فوات الأوان، و عوضاً عن إلقاء اللائمة على السيسي في دعوته لمراجعة النصوص الدينية “لتنقيتها من العنف” فلنتحمل جميعاً مسؤولية تجاهلنا لهذا الدور كل تلك السنين حتى تركناه لأمثال السيسي. لا شك أن بعض من سيقرؤون هذا النص سيستشيطون غضباً لما يحسبونه “غيرة على إسلامهم”. ولا شك أيضاً أن أولئك الحريصين على دينهم (اليوم)، إن لم يتصرفوا بموجب هذا الحرص، لن يطول بهم الحال حتى يجدوا أنفسهم بلا دين.

معرة مصرينا

انتهت الليلة معركة ‘شارلي ايبدو’ بين ثلاثة من الجهاديين الإسلاميين (و رابعة لم تظهر في المشهد بعد) و الحكومة الفرنسية.

خلافاً لمثيلاتها من العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة في ديجون و نانت الفرنسيتين و سيدني الأسترالية، بدأت هذه العملية بالهجوم على هدف محدد بعناية لتضع حداً لحياة عدد من فريق عمل صحيفة ‘ شارلي ايبدو‘ “انتقاماً للنبي محمد” كما ادعى منفذا العملية.

بعيداً عن هذه الخصوصية للعملية و أسبابها أو تداعياتها المباشرة، لعل من أهم الملاحظات في الأيام الثلاثة الأخيرة كان تناولنا للهجوم على منصات التواصل الاجتماعي بطريقة أظهرت عمق أزمتنا في بناء الرأي و اتخاذ المواقف، الأمر الذي من المؤكد أننا لم نمارسه و لم يمارسه آباؤنا على مدار ما يزيد على قرن من الزمن.

فمن صراعات السلاطين و الباشاوات و البكَوات و فساد الولاة بداية القرن العشرين في ظل الدولة العثمانية، إلى الحرب العالمية الأولى و الكذبة الأكبر في العصر الحديث – الثورة العربية الكبرى- التي دشنت حقبة الاستعمار الغربي تحت مسمى الانتداب، فالحرب العالمية الثانية، فالاستقلالات الشكلية التي تسلم فيها رايات الاحتلال ملوكٌ و أمراءُ و رؤساءُ انتقلوا بالبلاد بكل سلاسة من أشكال الاستعمار القديم إلى مبايعة الاستعمار الجديد، و هكذا من استعمار إلى استعمار لم تكن شعوب المنطقة إلا أدوات حرب و توليد ثروة للنخبة الحاكمة و ضماناً لاستقرار مصالح الاستعمار بكل أشكاله، دون مشاركة في الحكم أو تقرير المصير أو تقييم التحالفات التي تعود على الشعوب بالنفع و الفائدة. و من حيث أن مصالح “الديمقراطيات” الغربية لم تكن لتضرر باستمرار وكلائهم المستبدين في دول المنطقة، لطالما فضلت تلك الدول التعامل مع الدكتاتوريات الصديقة ضاربة بعرض الحائط كل ما تنادي به في عالمها الجديد من حرية و ديمقراطية و حقوق إنسان في مستعمراتها (و مستعمرات صديقاتها) القديمة. أضف إلى ذلك أدوات الاستبداد الديني من صوفية و سلفية و التي قدم من خلالها كل حاكم الصورة الوحيدة للتدين المشروع و عماده في كل الأحوال كان طاعة الحاكم و الرضوخ لولي الأمر و تعطيل العقل.

قرن كامل إذن، و يزيد، لم يتسنى خلاله لهذه “التكتلات البشرية”  أن تكوّن رأياً أو تتخذ موقفاً مبنياً على أسس موضوعية صحيحة على المستوى الشعبي. و قد امتد هذا ليومتا ليظهر جلياً واضحاً في تخبط المواقف من العملية الإرهابية، حتى في صفوف من يُحسبون على أصحاب التجربة النضالية أو المجتمعية.

من أغرب المواقف التي تصدرت المشهد، موقف أولئك الذين وقفوا بصرامة ضد العملية بدافع معاداتهم الشرسة لكل ما يصطبغ بصبغة القاعدة و شقيقاتها، فرفضوها بشكل قاطع  بل إن أصحاب هذا الموقف تحولوا بلمح البصر إلى أعتى مشجعي الكاريكاتير اللاذع و انهالوا على الفيسبوك و تويتر يعيدون نشر مواد الصحيفة يمنة و يسرى و كأنهم فُطموا على ‘شارلي ايبدو’.

آخرون ترددوا في انتقاد العملية لأسباب تتعلق بعدم انسجامهم مع توجه الضحية، و قد كان من السخرية بمكان أن هؤلاء انتموا لتيارين متناكفين، بل متعاديين، هما “الإسلاميون المحافظون” من جهة و اليساريون معادوا الإمبريالية الغربية من جهة أخرى. فالإسلاميون –رعاهم الله- لم يكونوا لينتقدوا قاتل من صوّر نبيّهم و أساء إليه فالتزموا الصمت بأحسن الأحوال. أما الرفاق اليساريون فرؤوا أنه لا يستقيم تسليط الضوء على مقتل اثني عشر فرنسياً في الوقت الذي يستمر فيه الغرب بقتل العشرات منا و بانحيازه للصهيونية، ناهيك عن استمراره في حياكة مخططاته الاستعمارية للمنطقة.

ولا يخفى على أحد بالطبع أولئك الذين لم يترددوا في التعبير عن انحيازهم لمنفذي العملية و باركوا لهم أعمالهم تحت شعارات سخيفة خاوية المعنى كمثل “كلنا محمد”و “فداك يا رسول الله”.

أمة تتراوح بين مواقف كهذه هي أمة مختلة تهذي لن تفرز إلا نماذج متصارعة تسير بها من دمار إلى دمار.

آن لنا إن كنا نسعى فعلاً لتحقيق قيم العدل و المساواة و حقوق الإنسان و سيادة القانون، أن نتقدم خطوة إلى الأمام فنحلل الأحداث الدائرة حولنا بموضوعية لنتمكن من معالجة ما تنطوي عليه من معطيات متقاطعة أو متضاربة، لنصل في النهاية إلى موقف يتفق مع ما ننادي به من قيم بغض النظر عن الأطراف المتفاعلة في الأحداث إياها و دون الشعور بالحاجة إلى الاصطفاف إلى جانب أي من تلك الأطراف.

لا شك أننا بغنىً عن أن نكون من المعجبين بفن ‘شارلي ايبدو’ ، أو أن نكون من أنصار المعسكر الإمبريالي حتى نصف ما حدث في باريس بأنه جريمة إرهابية. فلك أن ترى في تلك الرسوم مادة منحطة أخلاقياً، ولك أن تضعها خارج إطار حرية التعبير، ولك أن تعادي النزعة الاستعمارية لدى الغرب، ولك حتى أن تستمر في تسليط الضوء على دور الغرب في تنشئة الحركات الجهادية، فكل ذلك لا يتعارض بالطبع مع وصف الجريمة بما تستحق. إلا أنه من المؤكد أن إغفال الطابع الإرهابي للهجوم يتعارض بما لا يترك مجالاً للشك مع قيم المدنية و حق الإنسان في الحياة و عدم الإذعان لإرهاب السلاح… إن كنا نسعى لذلك فعلاً

To the refugees and those of whom recognition as humans is pending for a recognised booklet called “passport”

إلى اللاجئين و أولئك الذين يحتاجون إلى “جواز سفر” حتى يتم تمييزهم كبشر

image

 Portrait of a Refugee… بورتريه لاجئ by Ameen M. on Flickr.

Just follow this link to see and comment on this photo:
https://flic.kr/p/pBmz5Y

Image  —  Posted: 28/12/2014 in ART, فلسطين
Tags: , , , , , , , ,

استشهد الشاب معتز حجازي في سلوان بالقدس منذ أقل من أسبوعين و تحديداً في 30 أكتوبر (تشرين الأول) إثر قتله للحاخام الصهيوني يهودا غليك. وقبل أن يجف دم الشهيد أتحفتنا حركة فتح من جهة و حركة الجهاد الإسلامي من جهة أخرى ببيانين يتبنيان فيهما “العملية”، و كل على حدة.

كما استشهد الأربعاء الماضي، الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، إبراهيم العكاري، إثر قيامه بدهس تجمع للمستوطنين في القدس قَتَل فيه اثنين و أصاب آخرين. ليخرج علينا ابن قيادي في الحركة الإسلامية في الداخل معلقاً على مقطع فيديو لشقيق الشهيد يظهر فيه بوضوح أن المتحدث ينطلق من منطلق إسلامي. أما ابن الحركة الإسلامية البار و النبيه فقد استنتج من مقطع الفيديو أن (الخطاب يبرهن أنه لن ينال شرف الدفاع عن الأقصى و الشهادة في سبيله إلا “أتباع محمد”، و أنه لا نصيب من ذلك لأتباع لينين و ماركس و غاندي).

بالأمس أعدمت الشرطة الإسرائيلية الشاب خير حمدان بدم بارد في (كفركنا)، إثر هجومه على سيارتهم (المصفحة غالباً) بـ …….. سكين. و في حين أن سيارة الشرطة هذه كان بإمكانها تجاهل الشاب و متابعة سيرها دون أي أذى، إلا أن أربعة من عناصر الشرطة اختارو أن يترجلوا من السيارة و يطلقوا النار الحي على ظهر الشاب من مسافة قريبة جداً و دون مواجهة. و رداً على الحادثة، انتفضت خلال اليومين الماضيين قطاعات واسعة من الفلسطينيين (الفلسطينيين فقط دون نكهات أو ألوان أخرى) في الداخل، انتماؤهم الوحيد لفلسطين و قبلة صوتهم الوحيدة، روح الشهيد خير حمدان.

فيديو إعدام الشاب خير حمدان من قبل الشرطة الإسرائيلية

هذه الانتفاضة “الصغيرة” و ما سبقها من تحركات شبابية انطلقت بوضوح عام 2013 تبشر، و لو من قريب، بأن الفلسطينيين (في الداخل على الأقل) سينهضون قريباً من تحت ركام الحركات و الأحزاب و الجبهات المقيتة، و التي عاشت طيلة سنين النكبة على مص دم الفلسطينيين و تاجرت و حاربت بهم و بأسمائهم لخدمة مصالح فئوية ضيقة رخيصة. و لعل التخلص من هذه التكتلات السرطانية هي أولى الخطوات اللازمة على طريق الحرية.

كفركنا

الزمان: أوائل العام 2014

المكان: أحد الأحياء “المختلطة”

اعتاد نزار أن يتردد على منزل عمه أبي علاء بعد أن غادر الأخير خارج سوريا إثر تدهور الوضع الأمني بصورة لم يعد بإمكانه احتمالها.

يروي نزار أنه ذهب مرة لتفقد منزل عمه بعد أن اقتحمه لصوص و (عفشوه)، و إذ بالضابط على الحاجز العسكري المقابل يقول له: “شو يا!!! ليه كترانة جياتك ع بيت عمك؟ ع فكرة هادا بيت عمك نحنا سرقناه. ما عاجبك؟؟!! اي تعا لأحكيلك شغلة، هادا قد مانو البراد كبير، ما قدرنا نطلعه من باب البيت. نزّلناه بالحبلة من ع البرندة”

تمّت

تعفيش

الزمان: ليلة من ليالي منتصف شهر آب 2014

المكان: رحلة الباص من كيليس إلى غازي عنتاب

مألوفة جداً أصبحت اللهجات السورية المختلفة في وسائل النقل العام جنوب تركيا.

أثناء عودته من كيليس إلى غازي عنتاب بالباص، يقص فادي جزءاً من حديث دار بين مقيم سوري في تركيا و واصل جديد (أو لاجئ بالأحرى) من حلب “المحررة”. وفي الرواية أن هذا الفارّ من “المحرر” ذهب ليصلي الظهر جماعة في المسجد فتلقفه أحد المسلحين الواقفين بالباب وقال له: “ما شفناك اليوم بصلاة الفجر. إذا بتعيدها بتتحول ع المحكمة الشرعية”

تمّت.

الزمان: منتصف شهر آب من عام 2014

المكان: رحلة الباص من غازي عنتاب إلى كيليس في تركيا

يروي فادي  أنه رافق خلال رحلته من غازي عنتاب إلى كيليس شابين كان يبدو أنهما مقاتلان سوريان و رجلاً في آخر عقده الخامس. دار حديث الشابين في مجمله حول ظروف الناس في الداخل و أصدقاء مصابون أو رحلوا. طال الحديث مدة الرحلة، و قبيل الوصول أضاف الرجل الخمسيني جملة واحدة كانت: “يا ابني إذا الواحد بيحمل عصاي تلت سنين بتهلك إيده. كيف إنتو حاملين بواريد تلت سنين؟ هيك ما عاد يمشي الحال، بدها حل…”

شعفاطمذهل ومرعب هذا التشابه بين الحادثتين. مذهل من حيث تشابه أطراف اللعبة في الحالتين، ومرعب حيال احتمال تشابه مصير الحراكين.

ليس جديداً استباحة جيش الاحتلال الإسرائيلي للحجر والبشر في الضفة، وليس جديداً الكابوس المتجدد الذي يعيشه الفلسطينيون هناك بشكل يومي بمعية السلطة الفلسطينية. إلا أن الملفت للنظر تسارع الأحداث بهذه الصورة بعد حادثة اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة وتصاعد وتيرة الاعتقالات التي حصدت المئات في الأسابيع الثلاثة التالية للحادثة إضافة إلى استشهاد سبعة عشر فلسطينياً قبل اختطاف وقتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير (17 عاماً) وحرقه من قبل مستوطنين، الأمر الذي أدى إلى انفجار الوضع ونفاذ صبر الفلسطينيين وانطلاقهم إلى الشوارع فيما يمكن أن يمهد لانتفاضة ثالثة.

لعل الكثير من علامات الاستفهام تبرز حول الأحداث الأخيرة ابتداءً –ربّما- بالإعلان عن كسر الأسرى الإداريين إضرابهم عن الطعام قبيل استعار الحراك المتضامن معهم مع عدم ذكر أي تفاصيل كان من المفترض أن يقدّمها محاموهم ولم يفعلوا. وبالعودة لحادثة الخطف، يستمرّ اختفاء مروان القواسمي وعامر أبو عيشة المتهمين الأساسيين والذين فجر جيش الاحتلال منزليهما منذ أيام، إضافة إلى استمرار اللغط حول تجاهل أجهزة الشرطة الإسرائيلية بلاغ اختفاء المستوطنين الثلاثة، وغير ذلك من الأحداث المتزامنة التي قد تشير إلى بعض الروابط الناقصة بين تفاصيلها. إلا أنه، وبغض النظر عن كل ما سبق و عن كل نظريات المؤامرة التي تحفزها تلك الحوادث، فإنه لا يخفى مدى التشابه بين ظروف انطلاق الحالة الأخيرة من الحراك الفلسطيني (كنتيجة نهائية) ومكونات مشهده مع ما حصل سابقاً في آذار (مارس) عام 2011 في سوريا.

بإمكاننا عنونة المشهد العام في الحالتين بظلم مُعمّم وممارسات قمعية يمارسها نظام استبدادي مجرم ضد شعب محروم من أبسط حقوقه في العيش الكريم ويتخلله مكونات أربعة تتفاعل داخله على النحو الآتي:

–          فئة حالها حال الأغلبية الساحقة من الشعب الذي يعاني بمجمله من الظلم والقهر، صادف أن تكون هي الضحية المباشرة لجريمة بشعة ارتكبت عمداً أو ضمن إطار الجور الذي أصبح قاعدة، فأدّت إلى نفاذ صبر الحاضن الاجتماعي لهذه الشريحة وانعكست ارتداداتها كالزلزال في أوساط أخرى في المجتمع.

–          فئة انتفضت في وجه العدوان والظلم الممنهج لاسترداد كرامتها وحقوقها لكنها بقيت وحيدة في الساحة في سوريا وما زالت وحيدة في فلسطين حتى اليوم.

–          في المقابل، فئة متواطئة مع المعتدي تمثلت في سوريا برجال الأعمال والمنتفعين المباشرين من استمرار النظام في سدة الحكم. أما في فلسطين فتكاد السلطة الفلسطينية تحتكر هذا الدور في الضفة و تساهم كل يوم في امتداد رقعة اعتداءات المحتل لتطال المزيد من أبناء شعبها. وفي أراضي الـ48، لم تُبدِ القوى السياسية العربية اهتماماً بالحراك بالقدر الذي تهتم بانتخابات رئاسة البلديات و المجالس المحلية للأسف. أما وإن أبدت تلك القوى السياسية أي تفاعل فإنه لم يغادر دائرة المزاودات على بعضها البعض.

–          الفئة الأخيرة تشكل الغالبية العددية العظمى وهي غير مستعدة لتقديم أي تضحيات أو حتى مد يد العون لمن يسعون لاسترداد كرامتهم وكرامتها. أولئك انحصر دورهم بداية في سوريا وسينحصر في فلسطين كذلك في انتقاد الشريحة المتصدية الثائرة وادعاء أن الوقت مازال غير مناسب لأخذ الأمور في هذا المنحى، وأنه من العبث التخلي عن بعض أشكال “الترف” الذي نعيشه في سبيل مصير مجهول، ومن ثم تصل قمة ثورة هذه الشريحة إلى لعن “الطرفين” مساوين بين الجلاد والضحية ومتجاهلين حقيقة أن هناك طرفاً مقموعاً وطرفاً يمارس القمع. وأن طرفاً يقتُل والآخر يُقتَل.

لربما تتشابه كل أسباب الثورات حول العالم إلا أن قرب المثال السوري زمنياً وفداحة نتائجه حتى قبل إنجازه، ووضوح وتطابق تصنيف عناصر المشهد في الحالتين يدفعنا لإجراء المقاربة لاستخلاص العبر، فجدية المرحلة لا تتيح لنا رفاهية إغماض أعيننا عن التجارب المماثلة والبدء من جديد في كل مرة.

لا شك أن أبرز نقاط التشابه بين الحراكين هي المحدودية والانحسار ضمن شريحة ضيقة، فأخطر ما في التوجه الحالي للحراك الفلسطيني وخاصة داخل الخط الأخضر، هو أن العنصر الشبابي المتحمس المندفع هو الفاعل الوحيد في الشارع في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية، ولن يمر وقت طويل حتى يضطر هذا الخط لمواجهة معركة استنزاف جدلية مع العنصر الرابع المكون للمشهد والذي سيحاول تثبيط الشباب وتحميلهم مسؤولية كل النتائج السلبية التي قد تترتب على الحراك.

وكما في المثال السوري، فإن أعظم مكامن الخطورة، في ظل غياب الدعم المؤسسي للانتفاضة الشعبية، أن يتم استغلال الاندفاع الجارف لدى الشباب لإبعاد الحراك خارج منطقة قوته ومساحة تمكنه من الدفاع عن نفسه واستمراره. فيكفي دس سلاح واحد في مظاهرة واحدة، وإطلاق النار في الهواء حتى يرد “جيش الدفاع” بنار حي ويوقع شهداء بنفس الحجة التي ادعاها سلفه الصالح في سوريا. وبعدها سيحمل العشرات أسلحة للانتقام لرفاقهم ويدخل الحراك في دوامة من العنف يكون فيها هو الطرف الأضعف بدون شك. ولا يجب أن يفهم من هذا أن على الشباب الثائر الآن في الداخل الفلسطيني أن يتراجع عن أي من فعالياته على الأرض. إنما يتوجب عليه شدة الحرص على مواصلة مراجعة نشاطاته وعدم التطوع لتغطية أي دور مسلح أو سياسي متقدم. وحتى لا تذهب جهود وتضحيات الشباب المنتفض هباءً فإن على القوى السياسية وفصائل المقاومة أن تردف هذا الحراك بتصعيد فعال وفق استراتيجية جادة لا تدع الحراك الشبابي يتيماً في الشارع.

بعبارة أوضح، فإن الحل لا يكمن في تراجع الشباب عن حراكهم. بل في أن يقف الجميع أمام مسؤولياتهم ويتوقف المتقاعسون والمثبطون على المستوى الشعبي عن الانتظار إلى الأبد. وأقصى ما قد يكون على الشباب فعله اليوم إيجاد صيغة لقيادة الحراك الجماهيري تضمن الموازنة بين انضباطه من جهة ومرونة اتخاذ القرار والتحرك من جهة أخرى لضرورة الحذر من الاختراق السّهل جداً في ظل اللامركزية والعفوية المطلقة الحالية.