Posts Tagged ‘دمشق’

نعم أقولها وكلي ثقة بأن فلسطين تقترب أكثر فأكثر كلما أسقطت الشعوب الحرة تلك “المقاومة” الضالة.

فانظر معي تاريخ “مقاومتنا الباسلة” التي ربّتنا على أن نرى مكاسبها الضئيلة (في ظل التخاذل العربي الرسمي) على أنها انتصارات تاريخية ليس لشيءٍ إلا لأننا، وببساطة، نعرف سقفها.

سأكتفي بالبدء عند حقبة “القائد التاريخي” جمال عبد الناصر الذي طالما نادى بـ “إزالة آثار العدوان”. ولعل أهون المصائب التي جلبها علينا عبد الناصر كانت عجزه هو عن تحقيق مناه. في حين أن الطامة الكبرى كانت أن الكاريزما التي تمتع بها عبد الناصر حولت الشعوب العربية إلى جموع تائهة لا تعلم من أهدافها إلا ما حدده ” القائد الملهم”. فكان أن قيد ذلك المصطلح نضال الأمة عبر العقود الماضية بقيد استرجاع الأراضي المحتلة عام 1967 وكأن ما حدث عام 1948 لم يكن عدواناً يجب إزالة آثاره. ذلك ناهيك عن دور عبد الناصر في إفساد الوحدة العربية بين سوريا ومصر التي طال سوريا أثناءها ما طالها من ظلم الأشقاء الوحدويين.

وعلى التوازي مع كل ذلك غسل حكام العرب أيديهم من القضية الفلسطينية (القضية العربية المركزية) ودفعوا باتجاه إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بدعوى الحاجة إلى ممثل شرعي للفلسطينيين يدعمه كل العرب ويتولى هو النضال السياسي والعسكري في سبيل استرجاع فلسطين. وبالفعل مضت منظمة التحرير في هذا المنحى لبضع سنين قبل أن تجد نفسها وحيدة في الساحة بلا دعم يذكر إلا باتجاه التطبيع مع العدو فذهبت إلى “إدراك ما يمكن إدراكه” من خلال مفاوضات سرية مع العدو بدأت في أوسلو عام 1991 وانتهت بتوقيع اتفاق السلام في واشنطن عام 1993 والذي اعترفت بموجبه “المقاومة” بالمحتل كسلطة شرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وقيدت نفسها بقيود عبد الناصر واكتفت بالتطلع إلى “إزالة آثار عدوان الـ 1967” .

وها هي الثورة السورية المباركة تأتي اليوم لتُسقط آخر أوراق التوت عن أحدث صور “المقاومة” وتكشف عورات “المقاومين”، فركائز “قلعة الصمود والتصدي” (وفي رواية جبهة الصمود والتحدي)  تنهار على أول خطوط الجبهة. والنظام “الممانع” يُعمل آلته العسكرية لأول مرة بعد ثلاثة استخدامات فاشلة كان آخرها منذ 38 عاماً. لكن “حماة الديار” يتجهون اليوم داخلاً. يقتلون، بمساعدة إخوتهم من “شبيحة الديار” أكثر من 2000 من شعبهم ويعتقلون عشرات الآلاف ويهجرون أمثالهم إلى مخيمات لجوء في تركيا ولبنان. فعساهم اليوم يحققون نصراً يتيماً، حتى وإن كان متأخراً.

وليس بعيداً عن ذلك نجد “المقاومة الإسلامية في لبنان” (لا أنكر بطبيعة الحال إنجازها في تموز 2006) تتنكر للشعب السوري الذي يقتل يومياً على يد “حليفها” الذي تصر على دعمه بينما تخوّن الشعب المنتفض لإسقاطه وهي التي لطالما كانت تقول أن عمقها العربي إنما هو الشعوب العربية وليس الأنظمة. ويخرج علينا “سماحة السيد” ويقول لنا بكل سذاجة “طيب… مين؟؟؟ وينو الشعب السوري؟؟؟ خلونا نعرف… لنوقف معه”. فهل عمي منك البصر يا “سيد حسن” فلم تعد ترَ الحشود التي تخرج كل يوم إلى الشوراع أم عميت منك البصيرة فتــاهَ تدبيرُك ولم تعد تعلم عند من تكمن مصلحتك الحقيقية؟

ولا شك هنا أن “حزب الله” هو الخاسر الأكبر بغض النظر عن مآل الثورة وصورة انتهائها في سوريا، فهو قد خسر من الآن شيئاً عظيماً من العمق الشعبي الذي كان يراهن عليه.

أما حركات “المقاومة الفلسطينية” فيبدو أنها اعتبرت عدم رضوخها لضغوط النظام للانضمام صراحة إلى صفه في مواجهة شعبه (كما فعل “حزب الله”) بمثابة الوقفة البطولية. ونسوا أن ذلك ليس إلا أقل ما يجب فعله. أين منظمة التحرير الفلسطينية؟ أين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؟ أين الجبهة الشعبية –القيادة العامة؟ أين الجبهة الديمقراطية؟ أين الجهاد الإسلامي؟ أين أنتم ما من نصبتم أنفسكم آلهة للدفاع عن شعبكم؟ أين أنتم مما يحدث في مخيم الرمل في اللاذقية؟ وأشنع من ذلك الغياب هو التشبيح الذي مارسته (حماس) في غزة يوم السادس عشر من آب (أغسطس) حين فرق عناصر من “أمن حماس” بالقوة مظاهرة تنادى لها بعض شرائح الشباب الفلسطيني لنصرة الشعب السوري على غرار ما حصل في القدس ورام الله وحتى في الناصرة وحيفا وعاثوا في الجموع اعتقالاً.

أحارُ فعلاً في فهم التركيبة الفكرية والنفسية لـ “مقاومتنا”. من أين لكم “صكوك المقاومة” تلك التي توزعونها على من يستحقها بنظركم (أو من يواليكم بنظري)؟ لا أستطيع حقاً أن أفهم من طريقة معالجتكم لواقعنا إلا أنكم تؤمنون إيماناً راسخاً بأنكم المصطَفَيْن الأخيار المفوضون بأمر هذه الأمة وأن ما سواكم ما هم إلا سُذّجٌ أو خونةٌ أو عملاء.

وإني حين أرفض هذا النوع من “المقاومة” لا أدعو بالطبع إلى نبذ فكر المقاومة ولا أنادي بتحول الشعوب العربية إلى نسخ من الأنظمة الفاسدة على الطريقة الأخرى ممن يأخذون خططهم التنموية وصورة مواقفهم الدولية وجداول مناطق التدخل المتاحة والأخرى المحظورة من السفارات الأجنبية القابعة على أراضيها. ولكنني أرى أن ربيعنا العربي لا يجب أن يقف عند مرحلة قلب النظم المستبدة فحسب، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى الثورة على “المقاومة” المستبدة أيضاً. فآخر ما نحتاج إليه اليوم هو “مقاومة” تُنَصّبُ نفسها وصية على أحلامنا ونوايانا وتطلعاتنا. نريد لربيعنا العربي أن يُفرِزَ مقاومة حقيقية لا ترتبط إلا بإرادة شعوبها ولا يحدد أهدافها إلا آمال شبابها ولا تكون أدواتها إلا إراداتنا الصلبة وعزيمتنا التي ما زالت تقربنا من فلسطين يوماً بعد آخر.

وكل ثورة وأنتم إلى فلسطين أقرب

ملاحظة: عزيزي القارئ قد تختلف معي في تناولي لنماذج المقاومة أعلاه من حيث ظروف وإنجازات وارتباطات كل منها وبالطبع في تقييم نجاحات بعضها، ولكني كلي أمل أنك تتفق معي بأن كل فئات المقاومة التي ذكرتها في نصي اتفقت في قرارة نفس كل منها على أنها المخولة الوحيدة بالمقاومة وعاملت كل من لا يتفق معها بالإقصاء دائماً وبالتخوين أحياناً. بمعنى آخر، إن حركات المقاومة في عالمنا العربي لم تسلم من داء تأليه الذات والشمولية الذي يثور عليه شبابنا اليوم، ومن هنا فإن علينا أن ننقل لتلك الحركات ذات الرسالة التي نوجهها إلى الأنظمة المستبدة.