تكاد قصة صداقة زيد وعمرو تكون الأشهر لدى العرب، حتى ارتبط اسم أحدهما بالآخر أوثق ارتباط. فلقد عرف عمروٌ زيداً بُعيد ولادة حرف الضاد وطفقا يجوبان بلاد العرب محدّثين عن تاريخها وأرضها وعمرانها وطبائع أهلها وثقافتهم.
كان الصديقان يتجولان يوماً في مدينة أبو ظبي على ساحل الخليج العربي يغتنمان ما تبقى في رصيد “الشتاء” من نسائم محتملة قبل أن يقتحم “الربيع” الأجواء بـ”صيف” يفرض على من شاء وعلى من أبى حظر تجول حتى إشعار آخر.
مرّ زيدٌ وعمروٌ بموقع إنشاء فندق (فور سيزنز) فكان الحوار التالي:
زيد: انظر انظر يا عمرو، هاهم أخيراً يشيدون فندق (فور سيزنز) في أبو ظبي.
عمرو(ساخراً): هاهاها… نعم، يحاولون تقليد دمشق (علماً أن أبو ظبي فيها من المعالم حديثة الإنشاء ما يزيد على دمشق بكثير، ففيها جامع الشيخ زايد الكبير، وقصر الإمارات، والكابيتال جيت، والـHQ ، وحلبة مرسى ياس لسباقات الفورمولا واحد، وفيراري وولد وغير ذلك)
…
…
…
صمت الاثنان لوهلة ثم نطق عمرو بنبرة حزينة: “يريدون تقليد دمشق!!!” يا حسرةً على دمشق. دمشق كانت يوماً النموذج الفريد للعاصمة. كانت هي العاصمة الوحيدة في العالم و احتضنت أعظم حضارات البشرية على امتداد العصور.
دمشق كانت عندما لم تكن لندن
دمشق كانت عندما لم تكن باريس
دمشق كانت عندما لم تكن طوكيو ولا بكين ولا موسكو
دمشق أشرقت حيناً على الأندلس فأنارت العالم.
عم الصمت من جديد وفاضت العيون بدمع وغصت الحناجر لبرهة.
…
…
…
“بكرا أحلى”… فجأة صاح عمروٌ كاسراً حاجز الصمت.
زيد: وعلى أي أساس تبني افتراضك هذا؟
عمرو: ليس الأمر محض افتراض بقدر ما هو يقين بنيته على ما علمت – أنا وأنت- من تاريخ الشام وما مرت به من أزمات كانت كل واحدة منها مخاضاً عسيراً فخرجت منه أبهى وأجمل وعاشت بعد ذلك كله أياماً أحلى. فانظر معي يا زيد. هل ترى غداً غير “بكرا أحلى” والناس في سوريا اليوم تعلم أنه لن يكون أحد فوق القانون غداً.
زيد: أعتقد أن في كلامك شيء من الصحة فأنا أرى أن “بكرا أحلى” لأن جميع المكونات الفاعلة في المجتمع اليوم تؤكد على أن لا مكان للطائفية والمناطقية والعرقية في كتاب سوريا. سوريا التي قدمت الخوري والعظمة والعلي والأطرش بل وتجاوزت حدودها لتهدي من خلال القسام أسمى الآيات لفلسطين.
عمرو: والله إني لأرى ذلك أيضاً، فالجميع يهتف اليوم “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”
زيد: “بكرا أحلى” بالرغم من أن أحداً ما قتل الكثير من الناس في الشوارع في محاولة يائسة لاستفزاز الشعب ورفع مستوى الغضب بل و حاول إغراء المطالبين بالتغيير باللجوء إلى السلاح، فتارة ترك قطع السلاح متاحة للجمهور عند أبواب المساجد أو على عتبات البيوت و الأرصفة، وتارة حاول أن يقحم مسلحين بين صفوف المتظاهرين، ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل لتعكس وعي السوريين وتصميمهم على تحقيق أهدافهم ومطالبهم سلمياً.
عمرو: أجل، لا بد أن يكون “بكرا أحلى” لأن كل السوريين (ومن في حكمهم) يُجمعون على قدسية الدماء السورية. صحيح أن البعض مختلف حول الجهة المتهمة بالقتل ولكن لا بد أن يتذكروا أن أي متهم بريء حتى تثبت إدانته، وعلى ذلك فإنه يترتب على الجميع التحلي بالجرأة الكافية لقبول إدانة من تثبت إدانته.
زيد: “بكرا أحلى” لأن “بكرا” بدون طوارئ. ما يعني أن السوري سيكون المسؤول الأول عن حفظ كرامته وممارسة حقوقه، فلا يلومنّ أحداً سواه إذا سمح لأحد بأن يهين كرامته، أو إن أُجبر على دفع رشوة أو إن تعرض للابتزاز. على كل سوري اليوم أن يعرف حقوقه وواجباته فهو المسؤول اليوم عن كل ما يحدث.
عمرو: هذا صحيح. ولعل من أهم الدلائل على أن “بكرا أحلى” أن مفهوم “سِيدي” في طريقه إلى مزبلة التاريخ كما أرى، فالكثير من “أسيادنا المشايخ” نُزعت عنهم هالة القداسة عندما وقفوا بكل وقاحة في وجه “المريدين”. أضف إلى ذلك أن ما حصل مؤخراً هناك يفرض قاموساً جديداً للمصلحات المتداولة فعلى سبيل المثال “سِيدي موظف الأمن” و “سِيدي الشرطي” و “سِيدي الضابط” هم جميعاً الآن مجرد موظفين لخدمة “السَيّد المواطن”.
زيد: لا بد أن “بكرا أحلى” لأن المبعدين يشترون الآن تذاكر العودة إلى سوريا.
عمرو: إن “بكرا أحلى” لأن احتمال أن يُستضاف سوري لـ”فنجان قهوة” عند وصوله في المطار لم يعد وارداً. لن يَمنع السوريَّ اليوم شيءٌ من أن يكون تقبيل يد أمه هو فعاليته الأولى بعد أن يطأ أرض الوطن، فعلى كل من يريد “استضافته” من الآن فصاعداً أن يرسل له “بطاقة دعوة”.
زيد: “بكرا أحلى” لأن الكثير من الشباب اليوم يقرأون ويفكرون… ويكتبون.
عمرو: نعم، و”بكرا أحلى” لأننا سنرى إصلاحاً شاملاً أكثر، فما كل هذه التطورات التي تشهدها سوريا اليوم إلا بداية الطريق.
زيد (باللهجة السورية): “بكرا أحلى” لإنه بكرا ما عنده خيار غير إنه يكون أحلى… ما على كيفه
عمرو: بالفعل … فالشعب قد اتخذ قراره و قدم خيرة أبناءه دماءهم ثمناً غالياً ليهدوا إخوتهم وأخواتهم “بكرا أحلى”. وسننعم أنا وأنت برؤية سوريا كما عهدناها من قبل.
زيد: أرجو ذلك وأتمنى ألا يكلّف الأمر أيّ دماءٍ غاليةٍ أخرى.
Like this:
Like Loading...